عائلات لبنانية تروي لـ”أحوال” قصّة سقوطها في براثن الفقر المدقع
لبنان يعيش حرباً حقيقيّة دون أدنى مقوّمات الصّمود
في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان ومع انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، بدأ اللبنانيون يعتمدون التقشّف القاسي والقسري، الذي طال حتى وجبات الطعام، بهدف التوفير من المصاريف قدر الإمكان، فضلاً عن استبدال أنواعٍ بأخرى أقلّ تكلفة، بعد أن انعدمت قدرتهم الشرائية وباتوا يشعرون بأنهم يعيشون حالة حرب أقسى من حرب المدافع والطائرات لأنها تطال لقمة عيشهم.
“أحوال” ينقل شهادات عائلات لبنانية، تختصر مأساة شعب استفاق على واقع يشبه الكابوس، فيما الخلاص يبدو حلماً صعب المنال.
الأسعار باتت تكوينا
أم محمد سيدة لبنانية تقصد سوق مخيم عين الحلوة لأنه حسب قولها أسعاره أرخص من أسعار محال المدينة، كانت تشتري المعلّبات لأنها لم تعد قادرة على شراء الخضار الطازجة، تقول لـ “أحوال”: دولتنا تذلّنا لقد تعبنا ولم نعد نشعر بأننا أحياء، أتوجّه إلى السوق كي أحضر احتياجاتنا من مواد غذائية لكن للأسف لم أعد أستطيع شراء ما اعتدنا على شرائه سابقاً، وصرت أختصر من شراء بعض الحاجيات غير الضرورية كالنسكافيه والحليب وحتى اللحوم صارت من السلع التي تفوق قدرتنا على شرائها”.
تتابع “أركز اليوم على المعكرونة لأنها من أرخص السلع واستطيع طهيها بدون لحم، حتى الخضار أسعارها باتت تكوي جيوبنا والفواكه حدّث ولا حرج، حالتنا “شي بيبكّي”، صرت أطهو الملفوف بالرز والبندورة بدل اللحم، لقد أوصلونا في هذا البلد إلى مرحلة الذلّ، وكل شيء مرتبط بسعر صرف الدولار الذي يحلق عالياً والدولة غائبة.
أن يكون لديك ابن مريض في هذه الأزمة
فاطمة أحمد ربة بيت ولديها ثلاثة أولاد وزوجها توقف عن العمل بسبب إقفال مكان عمله، قالت لـ “أحوال”: لم نعد نستطيع تحمّل الوضع الاقتصادي السيء الذي وصلنا إليه، وكل يوم نتأمل بغد أفضل لكن كل يوم أسوأ من سابقه، خاصة أن أحد أبنائي يعاني من “كهرباء في الرأس” ولا أجد الدواء دائماً وحتى إن وجدته أشتريه بسعر أغلى ثلاثة أضعاف.
تضيف ” صارت أكلتنا شبه اليوميّة “المجدرة” التي كانت أرخص المأكولات. اليوم حتى العدس والأرزّ ارتفع سعره وصارت مكلفة، أما اللحوم والدجاج لم نعد نستطيع شراءها، وحتى الفواكه ارتفع سعرها ولا نعلم كيف سنكمل بقية حياتنا في ظل هذه الظروف إذ لم نعد قادرين على شراء ما نحتاجه، وأحمد الله أنه لدينا أرزّ موّنته من المساعدات التي حصلت عليها.
لبنان في غرفة العناية الفائقة
سهيل الصوص ناشط يشارك في التحركات الشعبيّة كافّة من جنوب لبنان إلى شماله، يصمّم المجسمات التي يرفعها في كل تحرّك يترجم من خلالها نقمته على السلطة وعلى ما آلت إليه الأمور، يقول: عشت في زمن الدولار كان بليرتين فقط، الآن بات فوق العشرة آلاف، والدولة نائمة والفساد في لبنان طال جوانب الحياة كافة، وهذه المنظومة الفاسدة أدخلت لبنان إلى غرفة العناية الفائقة ومنعت عنه الأكسجين والدواء حتى صار الآن في غيبوبة، ولا ينتج عنها سوى الأزمات وخاصة منها الجوع والفقر المدقع.
عينة من شهادات تختصر واقع بلد سُحقت فيه الطبقة المتوسّطة وسُوّيت الفقيرة بالأرض، على أنقاض وطن تشظّى، ولم يجد له مخلّصاً.